فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (10- 11):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عذاب الحريق (10) إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الكبير (11)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولذلك قال مستأنفاً جواباً لمن يقول: فما فعل بهم؟ مؤكداً لإنكار الكفار ذلك: {إن الذين فتنوا} أي خالطوا من الأذى بما لا تحتمله القوى فلابد أن يميل أو يحيل في أي زمان كان ومن أي قوم كانوا {المؤمنين والمؤمنات} أي ذوي الرسوخ في وصف الإيمان.
ولما كانت التوبة مقبولة قبل الغرغرة ولو طال الزمان، عبر بأداة التراخي فقال: {ثم لم يتوبوا} أي عن ذنوبهم وكفرهم.
ولما كان سبحانه لا يعذب أحدا إلا بسبب، سبب عن ذنبهم وعدم توبتهم قوله: {فلهم} أي خاصة لأجل كفرهم {عذاب جهنم} أي الطبقة التي تلقى داخلها بغاية الكراهة والتجهم، هذا في الآخرة {ولهم} أي مع ذلك في الدارين لأجل فتنتهم لأولياء الله {عذاب الحريق} أي العذاب الذي من شأنه المبالغة في الإحراق بما أحرقوا من قلوب الأولياء، وقد صدق سبحانه قوله هذا فيمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم بإهلاكهم شر إهلاك مغلوبين مقهورين مع أنهم كانوا قاطعين بأنهم غالبون كما فعل بمن كان قبلهم، فدل ذلك على أنه على كل شيء قدير، فدل على أنه يبدئ ويعيد.
ولما ذكر عقاب المعاندين بادئاً به لأن المقام له، أتبعه ثواب العابدين، فقال مؤكداً لما لأعدائهم من إنكار ذلك: {إن الذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان ولو على أدنى الوجوه من المقذوفين في النار وغيرهم من كل طائفة في كل زمان {وعملوا الصالحات} تصديقاً لإيمانهم وتحقيقاً له.
ولما كان الله سبحانه من رحمته قد تغمد أولياءه بعنايته ولم يكلهم إلى أعمالهم لم يجعلها سبب سعادتهم فلم يقرن بالفاء قوله: {لهم} أي جزاء مقاساتهم لنيران الدنيا من نار الأخدود الحسية التي ذكرت، ومن نيران الغموم والأحزان المعنوية التي يكون المباشر لأسبابها غيره سبحانه فيكون المقاسي لها مع حفظه للدين كالقابض على الجمر {جنّات} أي فضلاً منه {تجري} وقرب منالها بالجار فقال: {من تحتها} أي تحت غرفها وأسرتها وجميع أماكنها {الأنهار} يتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ويروقهم النظر إليها مع خضرة الجنان والوجوه الحسان الجالبة للسرور الجالية للأحزان.
ولما ذكر هذا الذي يسر النفوس ويذهب البؤس، فذلكه بقوله: {ذلك} أي الأمر العالي الدرجة العظيم البركة {الفوز} أي الظفر بجميع المطالب لا غيره {الكبير} كبراً لا تفهمون منه أكثر من ذكره بهذا الوصف على سبيل الإجمال، وذلك أن من كبره أن هذا الوجود كله يصغر عن أصغر شيء منه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ}
اعلم أنه سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الأخدود، أتبعها بما يتفرع عليها من أحكام الثواب والعقاب فقال: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين} وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى:
يحتمل أن يكون المراد منه أصحاب الأخدود فقط، ويحتمل أن يكون المراد كل من فعل ذلك وهذا أولى لأن اللفظ عام والحكم عام فالتخصيص ترك للظاهر من غير دليل.
المسألة الثانية:
أصل الفتنة الابتلاء والامتحان، وذلك لأن أولئك الكفار امتحنوا أولئك المؤمنين وعرضوهم على النار وأحرقوهم، وقال بعض المفسرين الفتنة هي الإحراق بالنار وقال ابن عباس ومقاتل: {فَتَنُواْ المؤمنين} حرقوهم بالنار، قال الزجاج: يقال فتنت الشيء أحرقته والفتن أحجار سود كأنها محترقة، ومنه قوله تعالى: {يوم هُمْ على النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13].
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} يدل على أنهم لو تابوا لخرجوا عن هذا الوعيد وذلك يدل على القطع بأن الله تعالى يقبل التوبة، ويدل على أن توبة القاتل عمداً مقبولة خلاف ما يروى عن ابن عباس.
المسألة الرابعة:
في قوله: {فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عذاب الحريق} قولان:
الأول: أن كلا العذابين يحصلان في الآخرة، إلا أن عذاب جهنم وهو العذاب الحاصل بسبب كفرهم، وعذاب الحريق هو العذاب الزائد على عذاب الكفر بسبب أنهم أحرقوا المؤمنين، فيحتمل أن يكون العذاب الأول عذاب برد والثاني عذاب إحراق وأن يكون الأول عذاب إحراق والزائد على الإحراق أيضًا إحراق، إلا أن العذاب الأول كأنه خرج عن أن يسمى إحراقاً بالنسبة إلى الثاني، لأن الثاني قد اجتمع فيه نوعا الإحراق فتكامل جدًّا فكان الأول ضعيفاً، فلا جرم لم يسم إحراقاً.
القول الثاني: أن قوله: {فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ} إشارة إلى عذاب الآخرة: {وَلَهُمْ عذاب الحريق} إشارة إلى ما ذكرنا أن أولئك الكفار ارتفعت عليهم نار الأخدود فاحترقوا بها.
{إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الكبير (11)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد المجرمين ذكر وعد المؤمنين وهو ظاهر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
إنما قال: {ذلك الفوز} ولم يقل تلك الدقيقة لطيفة وهي أن قوله: {ذلك} إشارة إلى إخبار الله تعالى بحصول هذه الجنات، وقوله: تلك إشارة إلى الجنات وإخبار الله تعالى عن ذلك يدل على كونه راضياً والفوز الكبير هو رضا الله لا حصول الجنة.
المسألة الثانية:
قصة أصحاب الأخدود ولاسيما هذه الآية تدل على أن المكره على الكفر بالإهلاك العظيم الأولى له أن يصبر على ما خوف منه، وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك روى الحسن أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: تشهد أني رسول الله فقال: نعم فتركه، وقال للآخر مثله فقال: لا بل أنت كذاب فقتله فقال عليه السلام: «أما الذي ترك فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه، وأما الذي قتل فأخذ بالفضل فهنيئاً له». اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} أي حَرَّقوهم بالنار.
والعرب تقول: فَتن فلانٌ الدرهمَ والدينارَ، إذا أدخله الكور، لينظر جودته. ودينار مفتون.
ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان، وورِق فتين، أي فضة محترقة.
ويقال للحَرّة فتين، أي كأنها أحرقت حجارتها بالنار، وذلك لسوادها.
{ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام.
{فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ} لكفرهم.
{وَلَهُمْ عذاب الحريق} في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار.
وقد تقدم عن ابن عباس.
وقيل: {ولهم عذاب الحريق} أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين.
وقيل: لهم عذاب، وعذاب جهنم الحريق.
والحريق: اسم من أسماء جهنم؛ كالسَّعير.
والنار دركات وأنواع ولها أسماء.
وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم، ثم يعذّبون بعذاب الحريق.
فالأول عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرها {إِنَّ الذين آمَنُواْ} أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله؛ أي صدقوا به وبرسله.
{وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي} أي بساتين.
{تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفَّى.
{ذَلِكَ الفوز الكبير} أي العظيم، الذي لا فوز يشبهه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} أي محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه والمراد بـ: {الذين فتنوا} وبـ: {المؤمنين والمؤمنات} المفتونين أما {أصحاب الأخدود} والمطرحون فيه خاصة وأما الأعم ويدخل المذكورون دخولاً أولياً وهو الأظهر وقيل المراد بالموصول كفار قريش الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات من هذه الأمة بأنواع من العذاب وقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} قال ابن عطية يقوى أن الآية في قريش لأن هذا اللفظ فيهم أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم وأما قريش فكان فيهم وقت نزولها من تاب وآمن وأنت تعلم أن هذا على ما فيه لا يعكر على أظهرية العموم والظاهر أن المراد ثم لم يتوبوا من فتنهم {فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ} أي بسبب فتنهم ذلك {وَلَهُمْ عذاب الحريق} وهو نار أخرى زائدة الإحراق كما تنبئ عنه صيغة فعيل لعدم توبتهم ومبالاتهم بما صدر منهم وقال بعض الأجلة أي {فلهم عذاب جهنم} بسبب كفرهم فإن فعلهم ذلك لا يتصور من غير الكافر {ولهم عذاب الحريق} بسبب فتنهم المؤمنين والمؤمنات وفي جعل ذلك جزاء الفتن من الحسن ما لا يخفى وتعقب بأن عنوان الكفر لم يصلح به في جانب الصلة وإنما المصرح به الفتن وعدم التوبة فالأظهر اعتبارهما سببين في جانب الخبر على الترتيب وقيل أي {فلهم جهنم} في الآخرة {ولهم عذاب الحريق} في الدنيا بناء على ما روى عن الربيع ومن سمعت أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم وقد علمت حالته وتعقبه أبو حيان بأن {ثم لم يتوبوا} بأبي عنه لأن أولئك المحرقين لم ينقل لنا أن أحدا منهم تاب بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر وفيه نظر وعليه إنما أخر {ولهم عذاب الحريق} ورعاية للفواصل أو للتتميم والترديف كأنه قيل ذلك وهو العقوبة العظمى كائن لا محالة وهذا أيضًا لا يتجاوزونه وفي الكشف الوجه أن {عذاب جهنم} و{عذاب الحريق} وأحد ووصف بما يدل على أنه للمبعودين جدًّا عن رحمته عز وجل وعلى أنه عذاب هو محض الحريض وهو الحرق البالغ وكفى به عذاباً.
والظاهر أنه اعتبر {الحريق} مصدراً والإضافة بيآنية ولا بأس بذلك إلا أن الوحدة التي ادعاها خلاف ظاهر العطف وقال بعضهم لو جعل من عطف الخاص على العام للمبالغة فيه لأن عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما كان أقرب ولعل ما ذكرناه أبعد عن القال والقيل وجملة {فلهم عذاب...} إلخ وقعت خبراً لأن أو الخبر الجار والمجرور و{عذاب} مرتفع به على الفاعلية وهو الأحسن والفاء لما في المبتدا من معنى الشرط ولا يضر نسخه بأن وإن زعمه الأخفش واستدل بالآية على بعض أوجهها على أن عذاب الكفار يضاعف بما قارنه من المعاصي.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} على الإطلاق من المفتونين وغيرهم {لَهُمْ} بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} إن أريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحية باعتبار جزئها الظاهر فإن أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة وفصل الجملة قيل لأنها كالتأكيد لما أشعرت به الآية قبل من اختصاص العذاب بـ: {الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا} {ذَلِك} إشارة إلى كون ما ذكر لهم وحيازتهم إياه وقيل للجنات الموصوفة والتذكير لتأويلها بما ذكر وما فيها من معنى البعد للإيذان بعلو الدرجة وبعد المنزلة في الفضل والشرف ومحله الرفع على الابتداء خبره {ذَلِكَ الفوز الكبير} الذي يصغر عنده الفوز بالدنيا وما فيها من الرغائب والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فعلى الوجه الثاني في الإشارة هو مصدر أطلق على المفعول مبالغة وعلى الأول مصدر على حاله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ}
إن كان هذا جواباً للقسم على قول بعض المفسرين كما تقدم كان ما بين القسم وما بين هذا كلاماً معترضاً يقصد منه التوطئة لوعيدهم بالعذاب والهلاك بذكر ما توعّد به نظيرهم، وإن كان الجواب في قوله: {قتل أصحاب الأخدود} [البروج: 4] كان قوله: {إن الذين فتنوا المؤمنين} بمنزلة الفذلكة لما أقسم عليه إذ المقصود بالقسم وما أقسمَ عليه هو تهديد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من مشركي قريش.
وتأكيد الخبر بـ: {إنَّ} للرد على المشركين الذين ينكرون أن تكون عليهم تبعةً من فتن المؤمنين.
و{الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}: هم مشركو قريش وليس المراد {أصحاب الأخدود} لأنه لا يلاقي قوله: {ثم لم يتوبوا} إذ هو تعريض بالترغيب في التوبة، ولا يلاقي دخول الفاء في خبر {إنَّ} من قوله: {فلهم عذاب جهنم} كما سيأتي.
وقد عُدّ من الذين فتنوا المؤمنين أبو جهل رأسُ الفتنة ومِسْعَرها، وأميةُ بن خلف وصفوانُ بن أمية، والأسودُ بن عبد يغوث، والوليدُ بن المغيرة، وأمُّ أنْمار، ورجل من بني تَيْم.
والمفتونون: عد منهم بلالُ بن رباح كان عبداً لأمية بن خلف فكان يعذبه، وأبو فُكيهة كان عبداً لصفوان بن أمية، وخَبَّابُ بن الأرتِّ كان عبداً لأمّ أنمار، وعَمّار بن ياسر، وأبوه ياسِر، وأخوه عبد الله كانوا عبيداً لأبي حذيفة بن المغيرة فوكَل بهم أبا جهل، وعامرُ بن فُهيرة كان عبداً لرجل من بني تَيْم.
والمؤمنات المفتونات منهنّ: حَمَامَةُ أمُّ بلال أمَةُ أمية بن خلف. وزِنِّيرَة، وأمُّ عنَيْس كانت أمة للأسود بن عبد يغوث والنهدية. وابنتها كانتا للوليد بن المغيرة، ولطيفةُ، ولبينةُ بنت فهيرة كانت لعُمر بن الخطاب قبل أن يسلم كان عمر يَضربها، وسُمية أمُّ عمار بن ياسر كانت لعمّ أبي جهل.
وفُتِن ورجَع إلى الشرك الحارثُ بن ربيعة بن الأسود، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن المنبه بن الحجاج.
وعطف {المؤمنات} للتنويه بشأنهن لئلا يظنّ أن هذه المزية خاصة بالرجال، ولزيادة تفظيع فعل الفاتنين بأنهم اعتدَوا على النساء والشأن أن لا يتعرض لهن بالغلظة.
وجملة: {ثم لم يتوبوا} معترضة.
و{ثُمّ} فيها للتراخي الرتبي لأن الاستمرار على الكفر أعظم من فتنة المؤمنين.
وفيه تعريض للمشركين بأنهم إن تابوا وآمنوا سلِمُوا من عذاب جهنم.
والفَتْن: المعاملة بالشدة والإِيقاع في العناء الذي لا يجد منه مخلصاً إلا بعناء أو ضرّ أخف أو حيلة، وتقدم عند قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} في سورة البقرة (191).
ودخول الفاء في خبر {إن} من قوله: {فلهم عذاب جهنم} لأنّ اسم {إن} وقعَ مَوصولاً والموصول يضمَّن معنى الشرط في الاستعمال كثيراً: فتقدير: إن الذين فتنوا المؤمنين ثم إنْ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم، لأن عطف قوله: {ثم لم يتوبوا} مقصود به معنى التقييد فهو كالشرط.
وجملة: {ولهم عذاب الحريق} عطف في معنى التوكيد اللفظي لجملة: {لهم عذاب جهنم}.
واقترانُها بواو العطف للمبالغة في التأكيد بإيهام أن من يريد زيادة تهديدهم بوعيد آخر فلا يُوجد أعظم من الوعيد الأول.
مع ما بين عذاب جهنم وعذاب الحريق من اختلاف في المدلول وإن كان مآل المدلولين وأحدا.
وهذا ضرب من المغايرة يحسن عطف التأكيد.
على أن الزج بهم في عذاب جهنم قبل أن يذوقوا حريقها لما فيه من الخزي والدفع بهم في طريقهم قال تعالى: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعّاً} [الطور: 13] فحصل بذلك اختلاف ما بين الجملتين.
ويجوز أن يراد بالثاني مضاعفة العذاب لهم كقوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللَّه زدناهم عذاباً فوق العذاب} [النحل: 88].
ويجوز أن يراد بعذاب الحريق حريق بغير جهنم وهو ما يضرم عليهم من نار تعذيب قبل يوم الحساب كما جاء في الحديث: «القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة» رواه البيهقي في (سننه) عن ابن عمر.
{إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}
يجوز أن يكون استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله: {ثم لم يتوبوا} المقتضي أنهم إن تابوا لم يكن لهم عذاب جهنم فيتشوف السامعُ إلى معرفة حالهم أمقصورة على السلامة من عذاب جهنم أو هي فوق ذلك، فأخبر بأن لهم جنات فإن التوبة الإيمان، فلذلك جيء بصلة {آمنوا} دون: تابوا: ليدل على أن الإيمان والعمل الصالح هو التوبة من الشرك الباعث على فتن المؤمنين، وهذا الاستئناف وقع معترضاً.
ويجوز أن يكون اعتراضاً بين جملة {إن الذين فتنوا المؤمنين} [البروج: 10] وجملة: {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12] اعتراضاً بالبشارة في خلال الإِنذار لترغيب المنذرين في الإيمان، ولتثبيت المؤمنين على ما يلاقونه من أذى المشركين على عادة القرآن في إرداف الإِرهاب بالترغيب.
والتأكيد بـ: {إنَّ} للاهتمام بالخبر.
والإِشارة في {ذلك} إلى المذكور من اختصاصهم بالجنات والأنهار.
و{الكبير}: مستعار للشديد في بابه، والفوز: مصدر. اهـ.